قال حضرت يوماً مجلس الأمير أمير خراسان، وحضر هذا المجلس من أهل السنة والجماعة، فسئل عن حديث النزول أي: كما في روايتين فسئل عنه: أصحيح هو يا ؟! وكذلك من منهجهم: أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، وهذا الكلام يرد به على الأشاعرة الذين أثبتوا بعض الصفات ونفوا البعض الآخر، كما أن الأصل السابق وهو أن الكلام في الصفات فرع عن الذات رد على الجهمية الذين أثبتوا الذات ونفوا الصفات، وكذلك أسماء الله تعالى لا حصر لها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ، وكل اسم لا محالة يدل على صفة، فإذا كانت أسماء الله تعالى لا تقع تحت حصر، فكذلك صفاته من باب اللازم؛ لأن كل اسم يدل على صفة، والسلف رضي الله عنهم لا يخوضون في صفات الله تعالى بالتشبيه والتمثيل ولا بالتحريف والتعطيل حملاً للألفاظ على ما يجوز لها في اللغة، ولكن يحملون هذه الآيات والأحاديث الواردة في أسماء الله وصفاته على ما يليق بجماله وكماله شرعاً ومعنى.
قال صاحب الجوهرة: وكل نص أوجب التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيهاً وهذا كلام باطل، كيف يجتمع التنزيه مع التفويض والتأويل؟ فتفويض العلم والمعنى إنما هو سبيل أهل الضلال والانحراف، وأهل السنة والجماعة لم يفوضوا إلا الكيفية فقط، أما تفويض العلم فليس من منهجهم، ولا من بنات أفكار مدرستهم، وكذلك تفويض المعنى، فإنهم يعلمون معاني الصفات، والفرق بينهم وبين غيرهم من أهل الضلال والانحراف في معرفة المعنى أنهم يثبتون المعنى لله عز وجل على ما يليق بجماله وكماله.
هذا ملخص وجيز جداً لوسطية أهل السنة والجماعة بين فرق الأمة فيما يتعلق بأسماء الله تعالى وصفاته، سطر ذلك لنا شيخ الإسلام في نونيته وقال: والأول التنزيه للرحمن عن وصف العيوب وكل ذي نقصان كالموت والإعياء والتعب الذي ينفي اقتدار الخالق المنان والنوم والسنة التي هي أصله وعزوب شيء عنه في الأكوان وكذلك العبث الذي تنفيه حكمتـ ـه وحمد الله ذي الاتقان وكذاك ترك الخلق إهمالاً سدى لا يبعثون إلى معادٍ ثان كلا ولا أمر ولا نهي عليـــ ـهــم من إله قادر ديان وكذاك ظلم عباده وهو الغني فما له والظلم للإنسان وكذاك غفلته تعالى وهو علا م الغيوب فظاهر البطلان وكذلك النسيان جل إلهنا لا يعتريه قط من نسيان وكذاك حاجته إلى طعم ورز ق وهو رازق بلا حسبان.
وقد ثبت عنهم لما سئلوا عن هذه الصفات أنهم قالوا: أمروها كما جاءت، يعني: نحن نؤمن بها إيماناً جازماً، ونعلمها علماً يقيناً من واقع كلام الله تعالى وواقع كلام رسوله، كما أننا نعلم معناها لا تفويض في هذا ولا ذاك، ولكن أمروها أي: لا تخوضوا فيها بتأويل أو تعطيل أو تمثيل أو تكييف، وذلك لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فلما لم يكن بوسع أحد أن يتكلم في ذات الإله تعالى كذلك ينبغي ألا يكون في وسعه أن يتكلم في صفات الله تعالى، بل يجب عليه أن يؤمن بها وأن يمرها كما جاءت ولا يخوض فيها، هذا منهج أهل السنة والجماعة.