أليس كذلك ، أرجعي لذاكرتك، هل هناك من البشر تحملوك ؟ اعطوك ، رحموك ، كوالديك ، كلا يريدك لأنفسهم : زوج، ابن ، وظيفه ، ووالديك يضحيان بأنفسهما لك ، وشتان بين من يريدك لنفسه ، ومن يريد نفسه لك.
أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد : { أوسط أبواب الجنة }إخوة الإسلام ، يا عباد الله : أنتم أيها العباد في نعم الله تتقلبون ، ولكنَّ هذه النعم بعضها أعظم من بعض ، وقد تشعر أخي أيها العابد لله بهذا وقد لا تشعر ، ومن النعم ما هي عون على الدين والدنيا جميعاً ، ومنها ما هي عون إما على الدين ؛ وإما على الدنيا ، ألا وإن أعظم النعم عوناً على الدين والدنيا جميعاً هي نعمة الوالدين ، فلا نعمة على العبد بعد التوحيد أبقى ولا أتقى ولا أنقى ولا أكبر من نعمة الوالدين ، فهما سبب وجودك ، وهما سبب نموك ، فقد ربياك صغيرا ، ورعياك كبيرا ، نشأت في كنفهما ، وترعرعت في عطفهما ، لا يطعمان حتى تطعم ولا يضحكان حتى تضحك ، ولا ينامان حتى تنام ، يبكيان لبكائك ، ويحزنان لحزنك ، ويفرحان لفرحك ، يفنيان أنفسهما لبناء نفسك ، إنهما أبواك الرحيمان ، ووالداك العظيمان ، فيا سرورك أيها الرجل إذا أدركهما الكبر أو أحدهما وأنت على قيد الحياة لك ذرية ، إن أولادك ينظرون إليك وإليهم ، وينتظرون ، فما تفعله من بر أبويك ، تجده من بر أبنائك ، وما تفعله من عقوق والديك تَلْقَهْ من عقوق أبنائك ، فالجزاء من جنس العمل ، ولا يظلم ربك شيئا ، يكفي الوالدين فخرا أن ذكر الله حقهما مقروناً بحقه صريحاً في خمسة مواضع في القرآن العظيم : الأول ، قال سبحانه : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ 83 }سورة البقرة.