قَوْلُهُ: وَلَوْ أَثْبَتُوا زِنَاهُ بِغَائِبَةٍ حُدَّ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ أَيْ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُقْطَعْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالْغَيْبَةِ تَنْعَدِمُ الدَّعْوَى وَهِيَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَا وَبِالْحُضُورِ يُتَوَهَّمُ دَعْوَى الشُّبْهَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَوْهُومِ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَاعْتِبَارُهَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فَرُجُوعُهُ شُبْهَةٌ فَيُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَاحْتِمَالُ رُجُوعِهِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا يَسْقُطُ وَكَذَا الْبَيِّنَةُ يُحْتَمَلُ رُجُوعُهَا فَرُجُوعُهَا حَقِيقَةً شُبْهَةٌ وَاحْتِمَالُهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِالْأَوْلَى وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَجَمَ مَاعِزًا، وَالْغَامِدِيَّةَ حِينَ أَقَرَّا بِالزِّنَا بِغَائِبَيْنِ» وَقَيَّدَ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا لَا يَتَمَكَّنُ الْحَاضِرُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُسْقِطِ فَاحْتِمَالُهُ يَكُونُ شُبْهَةَ الْمُسْقِطِ لَا شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ.
فَإِذَا بَنَى فِي الْعَقَارِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَيْبٌ فَلَيْسَ إلَّا الْأَرْشُ دُونَ الرَّدِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ : كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.