وهنا سؤال: لماذا هاجر عمر بن الخطاب t جهرًا، بينما هاجر الرسول r نفسه سرًّا كما سنرى بعد ذلك؟ الواقع أن رسول الله r مشرِّع، وسوف يتبعه في طريقته عموم المسلمين سواء في زمان مكّة أو في الأزمان التي ستلي ذلك إلى يوم القيامة، وعموم المسلمين لا يطيقون ما فعله عمر t، وليس مطلوبًا منهم ذلك، إنما المطلوب هو الحذر والاحتياط والأخذ بالأسباب الكاملة لضمان سلامة الهجرة، فعملية الهجرة في حد ذاتها ليست هدفًا، إنما الهدف هو الوصول إلى المدينة لإقامة الدولة هناك، فيجب الأخذ بكل الأسباب لتجنب كل المعوقات لإقامة هذه الدولة، ولو خرج رسول الله r علانيةً لأصبح لزامًا على كل المسلمين أن يخرجوا علانية، وهذا ليس من الحكمة.
مكث الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام كما كان مقررًا في الخطة المرسومة، وقام كل من عبد الله بن أبي بكر، وعامر بن فهيرة، وأسماء بنت أبي بكر بدوره، وحان وقت الرحيل إلى المدينة، وجاء عبد الله بن أريقط الدليل بالناقتين في الوقت المتفق عليه، وجاء بناقة ثالثة له، وجاء معه أيضًا عامر بن فهيرة ليرافق الراكب المهاجر إلى المدينة، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من الغار ليلة غرة ربيع الأول من سنة 14 من النبوة، وإمعانًا في الاحتياط اتخُِّذَتْ بعض الإجراءات الأخرى: أولًا: الخروج ليلًا من الغار.
رآها عثمان بن طلحة -وكان ما زال على شركه- وهي بالتنعيم على مسافة حوالي خمسة كيلو مترات من مكّة، فقال لها: إلى أين؟ فقالت: أريد زوجي في المدينة.
ماذا فعل المشركون وهم على باب غار ثور، بعد أن قطعوا هذا المشوار الطويل الصعب، وقد انتهت آثار الأقدام أمام فتحة باب الغار؟! وكان رسول الله r يخاطب الناس ويدعوهم وهو تحت حماية سيوف بني هاشم، وكان أبو طالب قد جعل رسول الله r قضية حياته، وكرَّس جهده لرد الكيد عنه.