فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، لِيَعْبُدَ اللَّهَ بِهَا مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَهَذِهِ هِيَ الْخَمْسُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِأَسْبَابٍ وَمَصَالِحَ، فَلَا يَعْلَمُ وُجُوبَهَا جَمِيعُ النَّاسِ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَة: كَالْجِهَادِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ إِمَارَةٍ، وَحُكْمٍ، وَفُتْيَا، وَإِقْرَاءٍ، وَتَحْدِيثٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الْأَصْلِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَنِزَاعٌ مَعْنَوِيٌّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْبِدَعِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ.
وَلَيْسَ هَذَا كَالْمَلِكِ الظَّالِمِ وَالْعَدُوِّ، فَإِنَّ الْمَلِكَ الظَّالِمَ لَا بُدَّ أَنْ يَدْفَعَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الشَّرِّ أَكْثَرَ مِنْ ظُلْمِه، وَقَدْ قِيلَ: سِتُّونَ سَنَةً بِإِمَامٍ ظَالِمٍ خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا إِمَامٍ، وَإِذَا قُدِّرَ كَثْرَة ظُلْمِه فَذَاكَ خَيْرٌ فِي الدِّينِ، كَالْمَصَائِبِ تَكُونُ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِمْ، وَيُثَابُونَ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَه وَيَتُوبُونَ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مِنَ العدوِّ.
فإذا تبين هذا كان معناه أن من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ليس هو من أهل الجنة ولا يدخلها بلا عذاب بل هو مستحق للعذاب لكبره كما يستحقها غيره من أهل الكبائر ولكن قد يعذب في النار ما شاء الله فإنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد وهذا كقوله: {لا يدخل الجنة قاطع رحم} وقوله: {لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم} وأمثال هذا من أحاديث الوعيد وعلى هذا فالحديث عام فيالكفار وفي المسلمين.