ثم إنَّ الرحمة فيها معنًى زائدٌ إضافةً إلى الغفر؛ فإنَّ الله إذا رحم العبدَ هداه، ووفَّقه، وسدَّده، وعافاه، وأنعم عليه، وأجاب سُؤله، وبلَّغه المراتبَ العالية، وساق إليه ألطافَه، وصرفه في محابِّه، وأشغله بذكره وطاعته، فيكون العبدُ هاديًا مهديًّا، مُسدَّدًا، راشدًا، مُوفَّقًا، مُشتغلاً بما يُرضي الله -تبارك وتعالى-.
وفي هذا الحديثِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان الرَّجلُ إذا أَسْلَمَ، أي: دَخَلَ في الإسلامِ، عَلَّمَه مَسائلَ الصَّلاةِ مِن شُروطِها وأَرْكانِها، ثُمَّ يَأمُرُه أن يَدعوَ بِهؤلاءِ الكَلِماتِ: اللَّهمَّ اغْفِرْ لي بِمَحْوِ ذُنوبي، وارْحَمْنِي ، أي: بِإيصالِ المَنافعِ والمَصالِحِ لي، واهْدِني إلى سَبيلِ السَّلامَةِ، أو ثَبِّتْني على نَهْجِ الاستِقامَةِ، وعافِني ، أي: مِنْ كُلِّ مَرَضٍ سَواءٌ كان مِن أَمْرَاضِ القُلوبِ أو أَمراضِ الأبْدَانِ، وارْزُقْنِي ، يَعني: الرِّزْقَ الَّذي يَقومُ به البَدَنُ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ واللِّباسِ والمَسكَنِ وغَيرِ ذلك، والرِّزْقَ الَّذي يَقومُ به القَلْبُ، وهو العِلْمُ النَّافعُ والعَملُ الصَّالحُ.